الإثنين 25 نوفمبر 2024

رواية رحلة الاٹام (كاملة حتي الفصل الاخير) بقلم منال سالم

انت في الصفحة 13 من 80 صفحات

موقع أيام نيوز

 


رأس كل مقعد والكؤوس وأطباق المقبلات. لحظتها جال ببالها ما اعتادت على حضوره من مؤتمرات عادية في قاعات خانقة تعج بأشخاص غرباء غير مهتمين بمظهرهم الخارجي وهم إما ما بين مدخن وبين متعرق فكانت لا تطيق البقاء أو الانتظار لأكثر من نصف ساعة كانت المقارنة غير عادلة بالمرة فشتان الفارق بين المكانين. 

أحست بيد مهاب تتلمس ظهرها من جديد فنظرت إليه وهي ترفرف بجفنيها لتجده يشير لها بعينيه ليتجها إلى حيث الطاولة المخصصة لهما كانت في المقدمة تقريبا وقبل أن تجلس سحب المقعد في لطافة لتشكره بتهذيب وتستقر عليه. أجلت أحبال صوتها واستطردت في تحمس وهي تتجول بعينيها على الحضور المتناثر هنا وهناك
أنا أول مرة أحضر حاجة بالشكل ده!
رمقها بنظرة طويلة تحوي شيئا غامضا وهو يخبرها مؤكدا من جديد عليها
ومش هتكون الأخيرة.
حاولت ألا تبدو متلهفة لمشاركته حياة الترف وتساءلت عن طبيعة الأجواء فاستفاض موضحا
الفاعليات هنا مفيدة وفي مجلات علمية ونشرات بتصدر عن أحدث حاجة موجودة دلوقتي في تخصصات الطب المختلفة.
في استحسان مهتم هزت رأسها معلقة
كويس جدا.
اقترب أحد الندلاء من الطاولة حاملا في يده زجاجة من الشمبانيا الفاخرة قام بنزع غطائها وأفرغ القليل
في كأس مهاب بينما أشارت له تهاني بالتوقف قبل أن يقترب من كأسها ليضعها بعدئذ في دلو معدني صغير تساءل في وقار
سيدي هل أحضر لكما شيئا آخرا
حرك مهاب رأسه بالنفي فانصرف منتقلا لطاولة أخرى ليقوم بخدمتها في حين تهيأت تهاني لاستئناف الحديث معه لكن جاءت إحدى السيدات إليهما وهي تتساءل في صوت مرتفع مفعم بالحرارة
د. مهاب أهذا أنت 
افترت شفتاها عن دهشة مستنكرة فالمرأة كانت ترتدي ثوبا قصيرا للغاية من اللون الأسود ذي حملات رفيعة على الكتفين أما ظهره فكان مكشوفا حتى خصرها بالكاد يصلح للارتداء 
جاء رده على نفس الدرجة من التقارب الودي الشديد
وأنا مثلك.
اضطرت تهاني أن تتحاشى النظر إليهما لئلا تزداد ضيقا جراء ما يحدث فنظرت إلى ما سواهما بينما تطلعت إليه ديبرا بنظرة تعبر عن الرغبة قبل أن تفصح عن ذلك علنا
كم اشتقت لك!
حمحم مرددا بعد نحنحة سريعة مصحوبة بنظرة خاطفة تجاه تهاني
أشكرك.
سألته في نبرة مهتمة وهي تضع يدها على رابطة عنقه لتضبطها 
هل ستبقى جميع أيام المؤتمر أم أنك ستحضر الافتتاح فقط
قال بعد صمت لحظي
لا أعلم بالضبط.
أحس بلهيب الشوق يندفع مع نبرتها فعقب بهدوء وعيناه تمنحاها وعدا صامتا بإمكانية حدوث ما ترجوه
بالطبع عزيزتي ديبرا.
استأذنت بالذهاب بعدما تذكرت أن تلقي التحية على تهاني كنوع من اللباقة المصطنعة كانت الأخيرة في أوج ضيقها كزت على شفتيها محاولة كبت ما ينتابها من مشاعر ربما يمكن تصنيفها بالغيرة النسائية لكنها لم تعترف بهذا لنفسها وضعتها في خانقة الانزعاج من التجاهل والمعاملة ببرود بالكاد ألصقت بثغرها بسمة متكلفة واستطردت تتحدث عندما عاود الجلوس مجاورا لها
لطيفة أوي.
راح يخبرها بأريحية رغم ملاحظته لأمارات التجهم المنتشرة في وجهها
ديبرا زميلة قديمة ليا أعرفها بقالي كتير جدا بجد كانت مفاجأة حلوة إني أشوفها من تاني
قالت كنوع من المجاملة الزائفة
ده واضح...
ثم سألته في نبرة شبه تحقيقية
بس شكل طريقتكم سوا بتقول إنكم قريبين من بعض! صح ولا أنا غلطانة في تخميني
أفهمها ببساطة ممزوجة بالاستفزاز
الناس هنا أساليبهم مختلفة في التعبير عن مشاعرهم ممكن احنا بطباعنا الشرقية نبقى متحفظين على شكل الطريقة المتجاوزة شوية بس هما بيعتبروا أسلوبنا لو مش زيهم نوع من الرجعية والتخلف فمتستغربيش لما تلاقيهم بيتعاملوا بودية زيادة.
هي دي ودية دي ناقص تنام معاك!!
استرخى أكثر في جلوسه وقال
المهم أنا في النهاية تبقى علاقتي كويسة بالكل.
تظاهرت بالابتسام وهي ترد
تمام مافيش مشكلة.
ثم أولته ظهرها وادعت انتباهها الكامل لمن صعد على المنصة فقالت بملامح جادة للغاية
شكل المؤتمر هيبدأ خلينا نركز فيه أحسن.
أمسك بكأس مشروبه ليرتشف منه القليل معلقا
اللي يريحك.
وقف كلاهما أمام باب المسجد الأمامي يستقبلان المباركات بابتهاج وابتسام كان النصيب الأكبر في التهنئة ل فردوس فالنساء أحطن بها من كل جانب لمشاركتها فرحتها وراحت الزغاريد تصدح في الأرجاء قبل أن يقوم أحدهم بتوزيع الشربات على المتواجدين. تقدم عوض لتهنئة العروس قائلا برأس خفيض
ألف مبروك وعقبال الليلة الكبيرة.
ردت بتعابير تعبر عن فرحة حقيقية
كتر خيرك وربنا يرزقك إنت كمان بواحدة كويسة.
تسلميلي يا خالتي.
ربتت على جانب ذراعها واستحثتها
شدي حيلك بقى وشوفي اللي ناقص عاوزين جوازتك تتم على طول.
أطرقت رأسها في حياء خجل وردت
وقت ما سي بدري يقول.
ما إن سمع الأخير اسمه يردد حتى دنا منهما متسائلا
في مزاح
خير بتجيبوا في سيرتي ولا إيه
بلا تردد أخبرته أفكار في رنة حماسة تغلف نبرتها
عاوزين نشوفكم ياخويا على فرشة واحدة قريب.
تبسم معقبا
إن شاءالله يا خالة.
أطلقت ضحكة مرحة قبل أن تميل بوجهها ناحيته لتهمس له في عبثية وكأنها تحفز فيه مشاعره كرجل للظفر بليال ملاح مع عروسه
اتجدعن ولم مراتك في حضنك عشان تدوق طعم السعادة اللي بجد.
تحرج من تجرؤها وقال وهو يخفض رأسه
ربنا ييسر.
كبيركم شهر يا ابني معنداش حد يطول عن كده في كتب الكتاب.
تدخلت والدة العريس قائلة بجدية وهي تقوس فمها في شيء من التبرم
هو هيروح منها فين يعني ما هي اتكتبت على اسمه خلاص!
ردت عليها أفكار بتعبيرات بشوشة غير مكترثة بتجهمها
ربنا يصلح حالهم سوا ويبعد عنهم أي شړ.
نظرت لها بتأفف قبل أن توجه كلامها لابنها صائحة بتذمر
مش كفاية واقفة يا ابني في الطل أنا رجلي مابقتش شيلاني.
هز رأسه هاتفا
حاضر يامه.
ثم أشار لزوجته لتتحرك معه مردفا
بينا يا فردوس.
قبل أن تعلق الأخيرة ذراعها في ساعد زوجها لكزتها والدته دافعة إياها للخلف وهدرت في احتجاج ناقم
ياختي متسربعة على إيه اسندني أنا يا بدري بقولك مش قادرة أقف على حيلي.
نظرت لها فردوس مذهولة وبشفتين منفرجتين فلم تعبأ بها حماتها ووكزتها مرة أخرى لتبعدها عن محيطها قائلة بنوع من الإهانة وبصوت مرتفع ولافت للأنظار أيضا
حاسبي شوية مايتبقيش لازقة زي البق كده!!!
تجمدت في مكانها مصډومة مما حدث بشكل فج تسبب في إحراجها أمام الحاضرين خاصة 
تعالي يا دوسة متزعليش نفسك...
سرعان ما ترقرقت الدموع في عينيها تأثرا بهذه الحدية الغريبة فحاولت خالتها تهوين الأمر بإخبارها في صوت خفيض وقد تأبطت ذراعها
هي بس عاوزة تعمل عليكي شغل الحماوات عشان تضايقك بس ولا يهمك إنتي ليكي في الآخر إنه ينام في حضنك.
تعلقت أنظار فردوس بظهر زوجها ورأت كيف يشارك والدته الضحك والهزار وكأنه تناسى أمر إحزانها تماما مما جعل صدرها يوغر بالضيق والهم. شدت أفكار من قبضتها على ذراعها المتعلقة به وواصلت كلامها المحفز إليها
اضحكي وافرسيها يا بت ماتخليهاش تغلبك بعمايلها المفقوسة دي.
سحبت فردوس نفسا عميقا لتثبط به نوبة البكاء الوشيكة التي تهدد بمهاجمتها وردت بصوت مخټنق
طيب.
تصنعت الضحك رغم الحزن الذي يعبئ صدرها وراحت ترفع من صوتها بالتدريج لتغطي على ألمها المعنوي قاصدة أن تلفت انتباه والدة زوجها بالتحديد لتشعرها بأنها لم تحقق غرضها بمضايقتها معتقدة بذلك أنها نالت انتقامها من فظاظتها غير المقبولة!
فاقت كامل توقعاته حين اعتقد أنها مجرد امرأة عادية لا تفرق عن غيرها في شيء بل على العكس أغريت سريعا ببريق امتلاك المال ووهج تأثيره الخطېر على النفس لكن اليوم تفاجأ بها كواحدة أخرى لأول مرة يعرفها فخلال فاعليات المؤتمر راحت تناقش برزانة وثقة ما يتم تداوله بإسهاب لتصبح محط الأنظار من الجميع حتى أنها دفعت المحاضر الرئيسي لتقديم شكر خاص لها كتعبير عن تقديره الشخصي لحماسها المتقد. استدارت تهاني ناظرة إلى مهاب بقدر من الغرور فبادلها نظرة إعجاب صريحة قبل أن يخبرها مبتسما
إنتي الصراحة أبهرتيني بذكائك.
اكتفت بالابتسام في زهو فأشار لها بيده لتسير معه خارج القاعة وهو يستأنف حديثه إليها
خسارة إن واحدة زيك مش متقدرة في بلدنا.
زفرت الهواء سريعا لترد بعدها على مضض متذكرة كيف كان يحط من شأنها في أغلب الأوقات إرضاء لأشخاص بعينهم
عشان كده كان نفسي أسافر وأثبت نفسي في مكان يستحقني.
كتمت شهقة خاڤتة قبل أن تنفلت من بين شفتيها عندما امتدت ذراعه لتحاوطها من خصرها أحست بنبضها يتسارع وبخفقات متلاحقة في صدرها نظرت إليه عن قرب وهو يشملها بعينيه العميقتين مؤكدا لها بهذا الإيحاء الموتر لها
متقلقيش كل أحلامك معايا هتتحقق.
لطمت بشرتها سخونة أنفاسه وهو يكمل بهمس خطېر
أنا موجود عشانك.
تجاوزه معها بعد تناوله هذا القدر من الخمر يزيد من تلبكها وخۏفها في آن واحد لن تنكر أنها تنجذب إليه وتستأنس بأحاديثه وخبراته العريضة في المجال الطبي لكنها في نفس الوقت تخشى تهوره في لحظة طيش غابرة وهذا ما لا تحبذه فقد يدفعه
غياب وعيه تحت تأثير المواد المسكرة لحصر تفكيره في شيء بعينه قد يودي بها للهلاك الحتمي لذا لا إراديا انطلقت شارات الإنذار في عقلها لتحثها على الانتباه وتوخي كامل الحذر معه حاولت أن تنسل من ضمته غير الكاملة تاركة بينهما مسافة معينة فسألها وهو يقترب مجددا منها
مش جعانة
ردت بتردد وهي تضم أصابع يدها معا مكونة قبضة صغيرة كأنما تحاول بها إخفاء توترها
يعني .. شوية.
استخدم ذراعه ليشير نحو المخرج الجانبي وهو يخاطبها
طب تعالي.
تعقد جبينها للحظة حين تساءلت مستغربة
هو احنا مش رايحين مطعم الفندق ده
قال نافيا وابتسامة عذبة تشكلت على فاهه
لأ في مكان تاني هوديكي عنده.
سارت معه إلى الخارج فلفحها الهواء البارد بقسۏة أسرعت بضم ياقتي معطفها معا لتدفئ عنقها وتحركت على الرصيف المرصوف بالحجارة نحو جراج السيارات لاستقلال تلك التي جاءا فيها لكنها تعثرت في مشيتها وكادت تنكفئ على وجهها عندما علق كعب حذائها فجأة في 
استدار مهاب كليا تجاهها وسألها في توجس وهو يمد يده لإسنادها
إنتي كويسة
اعتدلت في وقفتها وخفضت ذراعها ثم ردت وهي تحاول تحرير كعب حذائها العالق دون أن تنحني
أيوه.
انقلبت تعبيراتها للضيق الحرج حينما رأت ما حل بحذائها انحنت لتلتقط الجزء المفصول والعالق بالفجوة الصغيرة لتقول في خجل
ده الكعب اتكسر أنا أسفة جدا.
اندهش من اعتذارها الغريب معقبا
الموضوع مش مستاهل عادي بتحصل.
طأطأت رأسها في حرج متزايد وقالت وهي تنزع الحذاء عن قدمها
أنا مكسوفة من حضرتك جدا.
اضطرت تهاني أن تثني ساقها بعدما لسعت البرودة القارصة باطن قدمها وأضافت وهي تشير ناحية مدخل الفندق
أنا هرجع الفندق تاني وأحاول أشوف حل للمشكلة دي حضرتك تقدر تروح المطعم اللي إنت عاوزه متعطلش نفسك عشاني.
اعترض عليها بصوت وملامح هادئة
إنتي هتفضلي معايا دي مشكلة بسيطة وحلها موجود.
ظلت على نظرتها المتحيرة فوجدته يدنو منها قبل أن ينحني ليحملها بين ذراعيه في خفة لتشهق مصډومة من تصرفه المفاجئ لها سرعان ما تدفقت الډماء الحارة في شرايينها لتغزو وجهها مؤكدة على شعورها بالحرج والذهول. في التو استنكرت ما فعلته وحاولت حثه على إفلاتها
مايصحش يا د. مهاب الناس تقول علينا إيه!!
أخبرها بجرأة صاډمة
 

 

12  13  14 

انت في الصفحة 13 من 80 صفحات